من حكاوي التاريخ نستلهم العبر والموعظة .. بقلم المؤرخ والشاعر طارق فريد
حكايات الميراث
انتظار الموت للمريض طمعا في وراثته رغم بشاعتها الانسانية الا انها تحمل الطرفة احيانا لكن ماذا اذا لم يكن الارث مالاً او أفدنة وعقارات؟ ماذا لو كان الارث كرسي العرش ؟ فالملوك والحكام ايضا يلهثون وراء ميراث كرسي الحكم .. وتلك حكاية بيسي بك مع الامير اسماعيل رواها لنا المؤرخ الشامي المعاصرالياس الايوبي في كتابه العظيم (تاريخ مصر في عهد الخديوي اسماعيل ) اخترت ان اوجزها لكم في السطور التالية ..
سعيد باشا واسماعيل
كان اسماعيل يعلم ان مرض عمه سعيد باشا عضالا وقد فشل في مداواته اطباء اوروبا وأن الموت بات لينتظره فساورته الانفعالات الطبيعية التي تساور كل إنسان في مركزه لينتظر وهو في القاهرة، أن ترد عليه الأنباء المبشرة من الاسكندرية بارتقائه عرش مصر
بيسي بك
وكانت العادة أن ينعم بلقب (بك) على أول من يحمل إلى الوالي الجديد خبر العرش المصري إليه وأن ينعم عليه بالباشوية إذا كان بيكًا. فلم يغادر (بسي بك) مدير المخابرات التلغرافية، عدته، ثمان وأربعين ساعة؛ لكي يكون أول المبشرين، فيصبح باشا؛ ولكن النعاس غلبه في نهاية الأمر فاستدعى أحد صغار موظفي مصلحته وأمره بالقيام بجانب جهاز التلغراف ليذهب لكي ينام قليلًا كما امره بالإسراع إلى إيقاظه حال ورود إشارة برقية من الإسكندرية تنبئ بانتقال محمد سعيد باشا إلى دار البقاء ووعده بجائزة قدرها خمسمائة فرنك مقابل ذلك، ثم ذهب إلى مخدعه ونام على سريره وهو بزي العمل.قدوم البشري
ولم يكن الموظف الصغير الذي أنابه عنه، يجهل عادة الإنعام بسراي الحكم فلما انتصف الليل بين اليوم السابع عشر واليوم الثامن عشر من شهر يناير سنة ١٨٦٣وردت من الإسكندرية الإشارة البرقية المنتظرة بفارغ الصبر، فتلقاها ذلك الموظف الصغير وأسرع بها إلى سراي الأمير (إسماعيل) وطلب المثول بين يديه.وكان (إسماعيل) لا يزال جالسًا وساهراً في قاعة استقباله يحيط به رجاله وتُسامره هواجسه فلماجاء ذلك الموظف، أمر بإدخاله حالًا، فأدخل، وأحدقت به أنظارالجميع. وجثا الرجل أمامه وسلمه إشارة البرقية الواردة، فقرأها (إسماعيل)، ثم نهض والفرح منتشر على محياه فوقعت الإشارة من يده وشكرلله بصوت عال ثم ترحم على عمه ترحمًا طويلًا.
نفحة من الذهب
وشاركه رجاله المحيطون به فرحته بالدعاء ثم نظر (إسماعيل) إلى الموظف الجاثي أمامه، (والذي كان قد التقط الإشارة البرقية حالما وقعت من يد مولاه، ووضعها في جيبه) وتبسم وقال « انهض يا بك » وبعد أن حباه نفحة من الذهب أذن له بالانصراف.فعاد الموظف مسرعًا إلى مصلحة التلغرافات لرغبته في الحصول على جائزة الخمسمائة فرنك التي وعده بها بيسي بك زيادة على الذهب الذي أصابه ودخل بتلك الإشارة على رئيسه، وأيقظه وسلمها إليه.فتناولها بسي بك وقرأها، ثم فتح كيسه بسرعة وأعطى الرجل المبلغ الذي وعده به ثم أسرع بالرسالة إلى سراي الأمير (إسماعيل)، وهو يرى أنه قد أصبح باشا .
فلما دخل على الأميروعرض عليه الإشارة قابله (إسماعيل) بفتور وقال له لقد أصبح هذا خبرًا قديمًا لدينا فأدرك الرجل أن موظفه خانه، وسبقه إلى استجلاء أنوار الشمس المشرقة ونعمها،ثم ضحك عليه واستخلص منه خمسمائة فرنك، فاستشاط غضبًا ونقمة، وعاد إلى مصلحته، واستدعى ذلك الموظف المكير ويدأ يهينه بصوت عال لكن الموظف اوقفه عند حده، قائلًا.« صه! فإني أصبحت بيكًا مثلك وهكذا أضاع بسي بك ثمرة سهره ثمانيٍّا وأربعين ساعة، بعدم تجلده على الاستمرارساهرًا. بضع سويعات أخرى!
العبرة والموعظة
ولو تأملنا عزيز القارئ في تلك الرواية لاستخلصت منها عدة عبر ولعرفت معني قوله عز وجل في اكثر من سورة ان الانسان لكفور مبين ..ان الانسان لظلوم جهول .. ان الانسان لظلوم كفار.. ان الانسان لنكود .. ان الانسان ليطغي .. ان الانسان كان هلوعا .. ان الانسان كان ضعيفا . ان الانسان كان عجولا.. ان الانسان كان اكثر شئ جدلا.. ( سبحانك ربي مادام سواك فاعفو عنا وارحم ضعفنا ومذلة هوانا وارحمنا فانت مولانا ونعم النصير ) ...........................................................................................................................................................

ممتاز
ردحذفوفي التاريخ دروس وعبر .. أحسنت النشر أستاذي ..
ردحذفيسلموا المرور الغالي
حذف