إلى الذين يتحدثون عن أزمة المسرح . بقلم د يسري عبد الغني
الى الذين يتحدثون عن أزمة المسرح .. بقلم د \ يسري عبد الغني
جريمة لا تغتفر
غني عن البيان أن روائع الحكيم المسرحية هي التي نقلت المسرح العربي من مرحلة متردية متخلفة كان المسرح فيها من توابع الشعر الغنائي أو الرواية ، إلى فن قائم بذاته يعتمد على الموقف الدرامي المتفاعل أكثر من اعتماده على السرد القصصي المجرد ، أو على الأبيات الشعرية البعيدة عن دراما الفعل المسرحي ، ولقد كان من طوال تجاهلنا لمسرح الحكيم في السنوات الأخيرة أن نشأ جيل بأكمله من المشاهدين ومحبي المسرح ، جيل لا يعرف مسرح الحكيم ، ولم يشاهد طوال حياته مسرحية واحدة له ، وحتى لو شاهد هذا الجيل الذي جنينا عليه تلك المسرحيات التافهة الفارغة التي تعرضها القنوات التلفازية محلية أو فضائية ، يظن أن هذا هو المسرح ..
وفي اعتقادي أن تلك جريمة لا تغتفر ، ليس فقط في حق الحكيم أبو المسرح العربي ، ورائده الأول ، وإنما أيضاً في حق جمهورنا المجني عليه والمتعطش إلى الفن الراقي المحترم ، والذي لا يجد أمامه الآن ـ بكل أسف وألم ـ غير المسرح التجاري المبتذل ، بما يقدمه من ضحالة وإسفاف وركاكة وغثاثة وفقر فكري ، مسرح (إن سميناه مسرحاً) لا يهدف بما يقدمه إلا السعي لتحقيق الكسب المادي السريع على حساب تدمير الذوق العام للجمهور ، وتلك مؤامرة محبوكة الخيوط على فكرنا ، وعلى ثقافتنا ، وعلى وجداننا ، يشترك فيها نجوم المسرح ، وكتابه ، ومخرجوه ، وفنييوه ، ونقاده ، بل كل من يعمل في المسرح ، كما يشترك فيها جميع وسائل الإعلام التي تعلن عن هذا الغثاء الأحوى وتروج له بشكل مثير وفاضح ( رغم عدم اقتناعنا بنظرية المؤامرة)
الحكيم ـ شكسبير و ملامح مشتركة
إن مكانة الحكيم كرائد للمسرح العربي هي نفس المكانة التي يحتلها البريطاني / وليم شكسبير في المسرح البريطاني بوجه خاص والمسرح الإنجليزي بوجه عام ، فالحكيم هو عملاق المسرح العربي الذي تطابق مكانته عندنا مكانة شكسبير أمير المسرح الإنجليزي ، ولقد فاق الحكيم شكسبير في عدد مسرحياته ، حيث أننا نعرف لشكسبير (42) مسرحية ، بينما كتب الحكيم (80) أو (100) مسرحية .
الحكيم يتفوق
ولا أبالغ في الواقع إذا قلت لك : إن الحكيم كان أكثر تنوعاً في مسرحه ، وفي مسرحياته عن شكسبير ، كيف كان ذلك لقد كتب الحكيم جميع ألوان وأشكال وأنماط المسرح ، كتب المسرح التراجيدي ، والكوميدي ، والفارس ، وكتب المسرح الواقعي ، ومسرح العبث ، ومسرح اللامعقول ، وكتب المسرح التاريخي ، والمسرح الذهني ، ومسرح المجتمع . وكما أكدنا من قبل فإنه لا يستطيع أي مشتغل بالإبداع المسرحي في بلادنا العربية من مشرقها إلى مغربها أن يدعي أنه لم يتأثر بشكل أو بأخر بتوفيق الحكيم. فالمسرح العربي الذي نعرفه اليوم بكل أطره قد تشكل خلال فترة تزيد على نصف قرن (ستون عاماً على وجه التقريب) على يد توفيق الحكيم ، فقبل الحكيم كان كتاب المسرح في بلادنا منذ نشأته يعدون على أصابع اليد الواحدة وفي أحسن الأحوال يعدون على أصابع اليدين ، ومنهم : إسماعيل عاصم ، وإبراهيم رمزي ، و أحمد شوقي ، ومحمد تيمور ، وعلي أحمد باكثير ، ومحمود تيمور .
في المطبخ المسرحي
ومثل وليم شكسبير فإن معرفة الحكيم بالمسرح وحرفيته لم تبدأ بقراءة النصوص الأدبية ، بل انتهت بها ، بمعنى أوضح : أن الحكيم لم يجلس في داره ليقرأ ما توافر له من مسرحيات ، أو يقرأ عن المسرح فقط ويدرسه ، وإنما خبر المسرح عن قرب ، دخل إلى مطبخه ، وعرف كيفية صنعه ، فقد ارتاد المسارح المختلفة بجميع أنواعها ، فكانت مسألة الكتابة لديه أو إشكالياتها نتاجاً واعياً لهذه الخبرة العملية ، ومن المعروف أن وليم شكسبير بدأ حياته ممثلاً خبر المسرح بجميع جوانبه وأوضاعه قبل أن يكتب للمسرح ، وهكذا فعل الكاتب الفرنسي الكبير / موليير .
لقد كان الحكيم قبل أن يسافر إلى العاصمة الفرنسية باريس سنة 1925 ، لدراسة القانون ، كان الحكيم يرتاد وبشكل دائم ومستمر المسارح الكثيرة التي كانت منتشرة في أرجاء القاهرة والمدن المصرية الكبرى...
تعليقات
إرسال تعليق