مسيرة التنوير من الشام الي القاهرة الحديثة . بقلم المؤرخ والشاعر طارق فريد
لا شك ان حركة التنوير واليقظة العربية قد ساهمت في انقاذ اللغة العربية من حالة التقهقر التي سيطرت عليها فتمكنت من تقديم أدب عربي مُعاصر فريد من نوعه منذ مدة زمنية طويلة كما جددت الهوية العربية وبعثتها من جديد بواسطة الجمعيات السياسية والأدبية وكان لها دور فعال في مناقشة قضايا الهوية العربية..
النهضة واليقظة العربية
ولفد بدأت النهضة الثقافية العربية في القرن التاسع عشر في أعقاب خروج محمد علي باشا من بلاد الشام عام 1840 وتسارعت وتيرتها أواخر القرن التاسع عشر وكانت بيروت والقاهرة ودمشق وحلب مراكزها الأساسية وتمخض عنها تأسيس المدارس والجامعات العربية والمسرح حيث كانت البداية في بلاد الشام عندما نشأ المسرح العربي علي يد أبو خليل القباني ثم جاء المسرح التمثيلي في مصر في أوائل القرن العشرين على يد وافدين شوام أمثال أبوخليل القباني وعزيز عيد وجورج أبيض وعمل معهم وواصل مسيرتهم مصريون مثل نجيب الريحاني ويوسف وهبي الذين شكلوا فرقاً مسرحية قدمت أعمالاً ممصرة مبنية على المسرح الأوروبي (الفرنسي غالباً). كما وجد رواد في التأليف من أمثال يعقوب صنوع وتلاه محمود تيمور وإبراهيم رمزي في كتابة المسرحيات وصولاً إلى توفيق الحكيم.
مجمع اللغة العربية
و تم تأسيس أول مجمع للغة العربية وإدخال المطابع بالحرف العربي وفي الموسيقى والنحت والتأريخ والعلوم الإنسانية عامة مثل الاقتصاد وحقوق الإنسان وملخص الحال أن النهضة الثقافية التي قام بها العرب أواخر الحكم العثماني كانت نقلة نوعية لهم نحو حقبة ما بعد الثورة الصناعية في اوروبا ولا يمكن حصر ميادين النهضة الثقافية العربية في القرن التاسع عشر بهذه التصنيفات فقط لأنها امتدت لتشمل أطياف المجتمع وميادينه برمته ويتفق المؤرخون على الدور الذي لعبه المسيحيون العرب في هذه النهضة سواء في جبل لبنان أو مصر أو فلسطين أو سوريا، ودورهم في ازدهارها من خلال المشاركة وفي المهجر أيضا. إذ كون المسيحيون في العصر الحديث النخبة المثقفة والطبقة البرجوازية مما جعل مساهمتهم في النهضة الاقتصادية ذات أثر كبير على نحو ما كانوا أصحاب أثر كبير في النهضة الثقافية وفي الثورة على الاستعمار بفكرهم ومؤلفاتهم وعملهم. يذكر على سبيل المثال في الصحافة سليم العنجوي مؤسس (مرآة الشرق) عام 1879 وأمين السهيل مؤسس مجلة الحقوق وجرجس ميخائيل فارس مؤسس (الجريدة المصرية) عام 1888 واسكندر شلهوب مؤسس مجلة السلطنة عام 1897 وسليم تقلا وشقيقه بشارة تقلا مؤسسا جريدة الأهرام ورزق الله حسون مؤسس جريدة (مرآة الاحوال) وعبد المسيح حداد مؤسس جريدة (السائح) من المغترب كما أنه يعد مؤسس الرابطة القلمية ايضا ..
فقه اللغه العربية
وفي فقه اللغة العربية نذكر إبراهيم اليازجي وناصيف اليازجي وبطرس البستاني وقسطاكي الحمصي وأديب إسحق وخليل السكاكيني . وفي الوقت ذاته دخلت إلى حلب على يد المطران ملاتيوس نعمة المطبعة الأولى بأحرف عربية إلى بلاد الشام واستمرت في الطباعة حتى 1899. من جهة أخرى ساهم العرب في مكافحة سياسة التتريك التي انتهجتها جمعية الاتحاد والترقي فبرز في حلب على وجه الخصوص المطران جرمانوس فرحات والخوري بطرس التلاوي، وتأسست المدرسة البطريركية في غزير التي خرجت عدداً كبيرا من أعلام العربية في تلك المرحلة ولعبت الجامعات المسيحية كجامعة القديس يوسف والجامعة الأميركية في بيروت وجامعة الحكمة في بغداد وغيرها دورًا مهماً في تطوير الحضارة والثقافة العربية...
الادب العربي
وفي الأدب نذكر جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ومي زيادة وأمين الريحاني ونسيب عريضة وندرة حداد وشفيق المعلوف وإلياس فرحات وفرنسيس مراش واخته مريانا مراش. وفي السياسة يذكر نجيب العازوري وشكري غانم ويعقوب صروف وفارس نمر وعبد الله مراش وبطرس غالي في لبنان وسوريا ومصر. وهكذا فإن الشرق العربي قاد بمسلميه ومسيحييه نهضة ثقافية وقومية بوجه الاستبداد الذي شكلت ركيزته جمعية الاتحاد والترقي وسياسة التتريك....
القاهرة
اما القاهرة عاصمة الثقافة الثقافة الاسلامية والعربية لهذا عالم 2020 فهي بوابة الثقافة الإسلامية في العصر الحديث من بداية القرن التاسع عشر حيث نهض الأدب بأنواعه وظهرت في مصر المدارس الأدبية علي يد الشاعر محمود سامي البارودي وكان من تلاميذه أمير الشعراء أحمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم والشاعر المناضل عبد العزيز مصلوح وتعددت المدارس بعد ذلك فمنها مدرسة الديوان وأنشأها الشعراء عبد الرحمن شكري وإبراهيم عبد القادر المازني وعباس محمود العقاد ثم مدرسة أبولو التي أسسها الشاعر أحمد زكي أبو شادي وإبراهيم ناجي وعلي محمود طه ويوجد غيرها من المدارس ولا نغفل الشعر الإسلامي ايضا ومن أشهر شعراؤه محمود غنيم وأحمد محرم والشاعر عبد العزيز مصلوح وغيرهم والشعر الوطني والرومانسي وغيره وقد ظهرت فنون أخرى من الأدب لم تكن موجودة من قبل مثل المقالة على أيدي الكتاب المصريين في الصحف ومن أشهرهم المنفلوطي والعقاد ومحمد حسين هيكل وطه حسين أما فن الخطابة فكان للشيوخ والزعماء المصريين دور كبير من أجل القضايا الثائرة في مصر والوطن العربي من فقر وغلاء والاستعمار الأجنبي وأشهرهم الشيخ محمد عبده والزعيم مصطفى كامل ....
فن القصة
أما فن القصة في الأدب المصري لم يكن بهذا الشكل فقد كان يوجد ما يسمي بالمقامات فقد كان أول من خطا بهذا الفن خطوة واسعة هو محمد المويلحي نحو فن الرواية بأصولها التي نعرفها اليوم وانقطعت بعده المحاولات الجادة لتطوير هذا الفن إلى أن أصدر محمد حسين هيكل روايته الأولى زينب ومصطفى لطفي المنفلوطي الذي نقل الروايات الفرنسية مترجمة بأسلوب ممتع ثم بدأت النهضة ومن الذين أسهموا فيها نجيب محفوظ ومحمد عبد الحليم عبد الله أما القصة لم بتكامل شكلها إلا بعد الرواية بسنوات ويعزى فضل الريادة إلى محمد تيمور ومن أشهر أعلامها محمود تيمور وتوفيق يوسف عواد ناهيك عن دور السينما المصرية في حركة التنوير والاثراء والتوثيق طوال القرن الماضي فاستحقت ان تكون هوليود الشرق ...
وما زالت مصر الازهر الشريف والعقاد وطه حسين ومحفوظ نوبل والحكيم بوابة للثقافة العربية ومازال مجمع اللغة العربية في القاهرة يقوم بوضع كلمات جديدة أو يعرب أو يشتق من الكلمات القديمة لتساير اللغة ركب الحضارة والتنوير.....(( طارق فريد))
المراجع:
1- محمد عابد الجابري : العولمة والهوية الثقافية – تقييم نقدي لممارسات العولمة في المجال الثقافي – مؤتمر العرب والعولمة – بيروت – مركز دراسات الوحدة العربية 1998 .
2- طلال عتريسي ، العرب والعولمة – بيروت ، مركز دراسات الوحدة العربية 1998 .
3– نبيل علي : الثقافة وعصر المعومات ، عالم المعرفة ، الكويت ، المجلس الوطني ، للثقافة والفنون والآداب ، العدد 184 لسنة 1994 .
4- علي بركات ، محاورات في الثقافة والتربية ، القاهرة ، دار النهضة المصرية للطباعة والنشر 1989 .
5 - المعجم الوسيط ، أحمد الزيات وآخرون
6- جمال حمدان: القاهرة. الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996م
7- فاروق عسكر، دليل مدينة القاهرة
8- حسن الباشا وآخرون: القاهرة، تاريخها/ فنونها، آثارها

تعليقات
إرسال تعليق